إلى كل من تمتع بقلب بشر و راودته أعذب المشاعر وداعبته أرق الأحاسيس...

إنها الآن تحدق به....
لا زالت تحدق به......
إنها مستمرة بالتحديق....تدفع نظراتها تلك المقتحمة لنطاق اللامألوف أعقل العقلاء للجنون.....
كادت كلتا عيناها تخرجان من محجريهما من كثرة التحديق.....ما بال فتاة مثلها تحدق به باستمرار أيعقل أن تكون قد وقعت في فخاخ الاعجاب ، و لما لا قد يكون حب من طرف واحد و من اول نظرة و أنا قد اكون اول شاهد على ابتداء مسيرة ذاك الحب.....

في تلك الحديقة التي اعتدت ارتيادها كانت هذه الفتاة الغريبة جالسة على مقعد مقابل لشاب حسن الطلعة كان جالسا على الارض يقرأ رواية ما ، وكان بجانبها كلب لطيف........يا رب! لا زالت تحدق به ، كم اود أن اصفعها في هذه اللحظة لتتنحى عن سكة الحب من اول نظرة ..... يا لها من حمقاء!
جعلت أنا أيضا أحدق بتلك الفتاة لا أعرف ما سر كل هذه النظرات الغامضة التي حاكتها حول هذا الوسيم...
و ما إن بدأت في مراقبتها حتى رأيت الدمعة تشق لنفسها دروبا على خد تلك الفتاة ، و بدت واضحة علامات تسلل الشجن الى قلبها من كل منعطف ، فتعجبت و دفعني الاشفاق عليها الى منحها منديلا علها تكفكف به تلك الدمعات الغزيرات ، و جعلني الفضول اتطفل و اسالها عن سبب بكائها لتروي لي حكايتها و انصت أنا بكل اهتمام .....
كان مسبب تلك الافعال مغامرة من مغامرات الحب كما توقعت و لكنها ما كانت تنظر الشاب اصلا و لم تدرِ بان هناك اناس غيرها في هذا المكان الذي اعتادت الجلوس به مع حبيبها....
و الآن عودة لمغامرة الحب التي لوعت روح تلك الشابة و حطمت فؤادها و أصابتها بالياس بالرغم من كونها زهرة متفتحة في ربيع عمرها ، بالرغم من سحر عيونها التي رسمت بفرشاة الليل و الوانه، ولكنه الحب ما في اليد حيلة و ما عسى النفس أن تفعل أمام اعذب العواطف و ارق المشاعر......
قد جعلت من قلبها قصرا له تحتضن حبه فيه ، وقدمت له العشق باقة أجمل ورودها كان الغرام و الوله و صانعها كان الهيام، وصل بها امر حبه الى مدى اقلية من العشاق يصلونه ...... وصل بها الى افق العجز عن العيش بدونه و لو لبرهة .....
إنها احبته بصدق و هو ايضا لم يخف عنها يوما حقيقة شعوره نحوها ، كانت رؤيتها تطفئ لهيب الشوق و الحنين فيه ، عطرها يعني التنعم بطيب الجنة ، سماع همساتها و الاحساس بلمسات يديها يعني انه سيستسلم استسلاما تاما هذه الليلة و يكون اسير عينيها والتأمل بابداع الخالق في تكوين تلك الانثى الحسناء لتصبح حبيبة له فقط ملكا لقلبه لا لقلب غيره تواما لروحه و شريكة له في عمره.
كل عاشق و عاشقة كانا يحسدانهما على هذا الحب المثالي، كانا يسهران تحت ضوء القمر ليداعب احاسيسها ببعض كلم الغزل المنظوم فترد هي عليه بالاحمرار خجلا ، يعيشان عيشة ضنك خالقها كان افتراقهما ليلة!
نعم.....اذا ما غاب عنها ليلة واحدة تبدأ هي بالنظر لصورته تلك المعلقة على الحائط والتي بدا كلاهما فيها متيمان ببعضهما الاخر، فتهم هي بالشكوى للقمر و تنوح لليل ما صنعته بها الاشواق و تسيل العبرات الغزيرات ، وأما هو فلا يفعل الا نفس الطقوس التي تفعلها ، و هكذا دواليك كلما افترقا......حب فريد من نوعه لن تجد مثيلا له في هذا العصر ، انهما جسد واحد تحاول الاقدار باستمرار الى تمزيقه الى شطرين لكنها لا تقوى على ذلك أوليسا روحا واحدة في جسد واحد لقلب لا ينبض إلا لأجل الحب ، نعم إلى هذا المدى وصل حبهما..... إلى تحدي نواميس الكون و قهر القدر.
و في تلك الليلة التي اكتحلت سماؤها بالظلام الدامس ، والتي اختبأ قمرها في خدره بين النجوم و الغيوم، خاض هذان الحبيبان إحدى معاركهما مع القدر ، ولكن هذه المرة كانت النتيجة لصالح القدر.....تمت العملية بنجاح، فقد انشطر الجسد الواحد و انشطرت الروح الواحدة ليغادر الحبيب الدنيا و ينتظرها هناك في الأفق البعيد إلى أن تلق حتفها هي الأخرى، أما عنها تلك المقاتلة الجريئة فقد اخذ القدر بصرها مع بقية ما جمعه من غنائم.....
تلاشى حبهما من الدنيا بتلاشي روحه و مفارقتها لجسده بكل خفة لتمنح حبيبته آخر قبلة على جبينها....
تقول بأنها تحمد الله لعدم رؤيتها حبيبها ينازع و تفارق روحه جسده و تتخلى عنه لتراقبها من الأفق البعيد و تحرسها كلما غمض لها جفن و تطمئنها في كل لحظة تشعر فيها بالذعر،و تحميها من كل ما قد يهدد حياتها بالخطر ، و في الوقت ذاته تمنت لو أنها رأته في لحظة توديع الروح لجسده حتى تكون الرؤية الأخيرة من نصيبها فتلحق به فورا هي الأخرى فيلتحمان من جديد...
إلى كل من تمتع بقلب بشر و راودته أعذب المشاعر وداعبته أرق الأحاسيس:-
إن الحب نبع ماءه لا تفنى ،و لا ينقطع بفناء الحبيبان أو احدهما، بل يستمر و لا ينضب لينقش اسميهما بأشعة شمس الغرام على غيوم سماء الحب لتسقط مطرا يرتوي به العشاق و ينمو فيهم معنى العشق فيظل حبهما مكتوبا على قلب الأحباء ليبقى خالدا مخلدا........لن أطيل ، الحب يعني الأبدية و الخلود.....