يا من يريد المغفرة!
الحمد لله الذي خص بعض مخلوقاته بما شاء من الفضائل ، و الصلاة و السلام على نبيه الأمين ، و بعد
فيا أخي الحبيب:
هاهو رمضان على الأبواب قد أتي .
رمضان : الذي طالما حنت إليه قلوب المتقين .
رمضان : الذي طالما اشتاقت إليه نفوس الصالحين.
وكيف لا تحن القلوب إلى شهر الخير والبركة .
كيف لا تشتاق القلوب إلى شهر المغفرة و الرحمة.
أخي الحبيب:
إن هذا الشهر قد خصه الله بخصائص عظيمة ، وميزه الله بفضائل جليلة .
فهو شهر الصيام ؛ الذي هو ركن من أركان الإسلام .
الصيام ؛ الذي كل عمل بن آدم له إلا الصوم ، فإنه لله وهو يجزي به .
إنه شهر تتفتح فيه أبواب الجنان ، وتغلق أبواب النار.
إنه شهر تصفد فيه مردة الشياطين .
أخي الحبيب :
إن من أعظم فضائل رمضان أنه موسم كبير للمغفرة .
نعم ، المغفرة التي نحتاجها جميعا
المغفرة : التي من كُتبت له ، فقد كُتب له الخير كله .
وهل يُمنع العباد من دخول الجنان إلا بسبب عدم المغفرة ؟
وهل يَدخل العباد النار إلا بسبب الذنوب التي لم تُغفر؟
الذنوب : التي هي سبب لكل بلاء ، ومصيبة .
الذنوب : التي تُورث في القلب ظلمة ، و وحشة .
الذنوب : التي تحول بينك و بين ربك و مولاك .
أخي الحبيب :
يا من يُريد المغفرة :
يا من أثقلت كواهلَه المعاصي: هاهو موسم من مواسم المغفرة قد أقبل .
اسمع إلى هذه الأحاديث الصحيحة لتتعرف على أنهار من المغفرة في هذا الشهر الكريم .
أولا: صيام رمضان
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من صام رمضان إيمانا و احتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه )) (أخرجه البخاري في صحيحه ) .
2- وعنه رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان ، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر )) ( أخرجه مسلم ) .
يالها من بشرى عظيمة ، بشرى بالمغفرة ؛ يا من تصوم رمضان ابتغاء وجه الله ، واطلب الأجر من
الله ، وابشر فالمغفرة وشيكة بإذن الله .
أخي الحبيب :
إن أردت المغفرة فليكن صومك عن المحرمات قبل أن تصوم عن المباحات ، ليصم سمعك ، وبصرك ، ولسانك ، وكل جوارحك ، فالله قد حرم عليك في نهار رمضان الأكل و الشرب وهما مباحان ، لينبهك على ترك الحرام من باب أولى .
أما إذا لم تفعل فاسمع إلى هذا الحديث الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم (( من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه )).
و استمع إليه ثانية وهو يقول صلى الله عليه وسلم (( رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع و العطش ، رب قائم ليس له من قيامه النصب والتعب )).
لا إله إلا الله ؛ كم جاع وكم عطش ، وكم نصب و تعب ، ولكن ليس له شيء من الأجر لأنه لم يصم عن المحرمات .
أخي الحبيب:
إن الله غني عنك و عن جوعك وعطشك ، و إنما يريد الله منك – من وراء الصيام – تقواه سبحانه و تعالى .
نعم يا أخي إنما يريد الله التقوى ، و هي الغاية التي من أجلها فرض الله الصيام ] يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون [.
فحققِ التقوى حتى تنال المغفرة ، أمسك لسانك ، و غض بصرك ، واحفظ سمعك عن هذه المحرمات حتى تفطر في الجنات بإذن الله .
ثانيا: قيام رمضان :
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من قام رمضان إيمانا و احتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه )) ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .
سبحان الله ! يا أخي ، إنها ليالي معدودة ، تنصب فيها القدمين لله ، وتصلي لله ، تحصل على هذه المغفرة ، فاعزم بقلبك على قيام رمضان ، واخلص لله .
بل و اسمع إلى هذه البشارة النبوية ، كما في السنن من حديث أبي ذر رضي الله عنه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسِب له قيام الليلة )) .
كم يأتي الشيطان إلى أحدنا فيجعله يأكل عند الإفطار كثيرا ، فإذا ما رام القيام لصلاة التراويح أحس بثقل الجسم ، و أحس بالتعب لأن عقله و ذهنه أصبح عند قدميه ، فهو يراوح بينهما ، لا تلذذا بالعبادة و لكن استثقالا لها .
كم يأتي الشيطان إلى أحدنا ، فما أن يفرغ من صلاة العشاء ، إلا ويبدأ يذكره بأعماله و أشغاله حتى يترك صلاة التراويح .
و ربما استخدم مكره معنا ؛ فيزهدنا في صلاة التراويح ، لأنها مستحبة و ليست بواجبة ، أو أن أعمالنا و سعينا في طلب المعيشة أفضل ، أو ربما استخدم أسلوب التسويف ، فيقول لأحدنا لازلت في أول رمضان و أنت متعب من الصيام ، انتظر حتى غد ثم تبدأ في المحافظة على صلاة التراويح من أولها.
و هكذا يمضي رمضان - ليلة تلو ليلة - و نحن لم نصل إلا القليل من الليالي .
ثالثا: قيام ليلة القدر
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من قام ليلة القدر إيمانا و احتسابا ، غفر له ما تقدم من ذنبه )) ( أخرجه البخاري في صحيحه ) .
ليلة واحدة ، تجتهد فيها بالعبادة ، بالطاعة ، هذه الليلة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان من أجلها ، والظفر بها _ وهو من قد غفر الله ما تقدم من ذنبه و ما تأخر – فحري بنا - ونحن الذين لم نعلم بعد ما مصيرنا ، ما حالنا يوم القيامة – أن نجتهد في قيام تلك الليلة ، التي قيامها يُعادل قيام أكثر من ثلاث و ثمانين عاما، قال تعالى [ ليلة القدر خير من ألف شهر].
أخي الحبيب :
والله إن السجلات ملأى بالذنوب و السيئات ، أفلا نغسلها بقيام ليلة واحدة .
وحتى تدرك هذه الليلة ، فعليك بقيام العشر الأواخر كلها، إن كنت صادقا في طلب المغفرة .
أخي الحبيب :
إن أنهارا من المغفرة أمامك يوشك أن تجري من أجلك ، فهلا انغمست فيها ، لعلها تطهرك ، لعلها تغسل عنك صحائف ؛ طالما سودتها ، لعلها تكفر ذنوبا ؛ طالما حالت بينك وبين ربك و مولاك.
منتظرة الردووووووووووووووود