يوم الجمعة يوم عظيم عند الله تعالى، أفرد في القرآن الكريم سورة سميت "سورة الجمعة" بنيت أحكام صلاة الجمعة كأهم ما في هذا اليوم المبارك، وتوالت الأحاديث النبوية الشريفة تشرح قدر الجمعة، ووظائف المسلم فيه.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:{ سيد الأيام عند الله يوم الجمعة، أعظم من يوم النحر والفطر، وفيه خمسة خصال: فيه خلق آدم، وفيه أهبط من الجنة إلى الأرض، وفيه توفي، وفيه ساعة لا يسأل العبد الله شيئا إلا أعطاه، ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم، وفيه تقوم الساعة، وما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا ريح ولا جبل ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة}. رواه البخاري.
وقد خصّ الله المسلمين بهذا اليوم وجعله عيدهم الأسبوعي، وفرض فيه صلاة الجمعة، وخطبتها وأمر المسلمين بالسعي إليها جمعا لقلوبهم، وتوحيدا لكلمتهم، وتعليما لجاهلهم، وتنبيها لغافلهم، وردا لشاردهم، بعد أسبوع كامل من العمل والإكتساب، كما حرّم فيه الاشتغال بأمور الدنيا، وبكل صارف عن التوجه إلى صلاة الجمعة عند الدعوة إليها.
فإذا سلمت الجمعة كانت كفارة لما سبقها خلال أيام الأسبوع، قال صلى الله عليه وسلم:{ الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان الى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر}. رواه مسلم عن أبي هريرة.
وقد ورد الوعيد الشديد على ترك الجمعة، قال عليه الصلاة والسلام { من ترك الجمعة ثلاثا من غير عذر طبع الله على قلبه} رواه أحمد وأصحاب السنن، وفي رواية { فقد نبذ الإسلام وراء ظهره} رواه البيهقي في الشعب عن ابن عباس. وقال:{ لينتهن أقواما عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين} رواه مسلم عن ابن عمر وأبي هريرة.
وقد أتى على بعض الناس زمن، غفلوا عن واجباتهم الإسلامية، ومنها حقوق يوم الجمعة، في يوم قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم{ أتاني جبريل عليه السلام في كفه مرآة بيضاء وقال: هذه الجمعة يفرضها عليك ربك لتكون لك عيدا، ولأمتك من بعدك. قلت: فما لنا فيها؟ قال: لكم فيها خير ساعة من دعا فيها بخير قسم له، أعطاه الله سبحانه إياه، أو ليس له قسم ذخر له ما هو أعظم منه، أو تعوذ من شر مكتوب عليه إلا أعاذه الله عز وجل من أعظم منه، وهو سيد الأيام عندنا ونحن ندعوه في الآخرة يوم المزيد، قلت: ولم؟ قال: إن ربك عز وجل اتخذ في الجنة واديا أفيح من المسك الأبيض، فإذا كان يوم الجمعة نزل الله تعالى من عليين على كرسيه فيتجلى لهم حتى ينظروا إلى وجهه الكريم}. رواه الشافعي في المسند، الطبراني في الأوسط، وابن مردويه في تفسيره، عن أنس.
ولقد أخبرنا سبحانه أنه حرم العمل على اليهود يوم السبت، وأمرهم بالتفرغ لعبادته، فعملوا الحيل، استهزاء بأمر الله تعالى واعتداء على حدوده، فغضب عليهم ولعنهم وجعل منهم القردة والخنازير.
قال تعالى:{ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)} الأعراف.
وقال صلى الله عليه وسلم:{ إن أهل الكتاب أعطوا يوم الجمعة فاختلفوا فيه فصرفوا عنه، وهدانا الله إليه وأخره لهذه الأمة وجعله عيدا لهم فهم أولى الناس به سبقا، وأهل الكتابين لهم تبع}. متفق عليه عن أبي هريرة.
وقد جاء رجل الى ابن عباس يسأله عن رجل مات لم يكن يشهد جمعة ولا جماعة، فقال: في النار. فلم يزل يتردد إليه شهرا يسأله عن ذلك وهو يقول في النار.
وهذه باقة من الآداب الإسلامية والتي هي بعض من حقوق هذا اليوم الكريم:
1»»> الاستعداد للجمعة من يوم الخميس، بغسل ثيابه وإعداد طيبه، وتفريغ قلبه من الشواغل الدنيوية، والاشتغال بالتوبة والاستغفار، والذكر والتسبيح من عشية يوم الخميس، والعزم على التكبير الى المسجد، ويستحسن قيام ما تيسر من ليلة الجمعة بالصلاة وقراءة القرآن.
قال بعض السلف: أوفى الناس نصيبا من الجمعة من انتظرها ورعاها من الأمس.
2»»> الابتداء بالغتسال بعد صلاة فجر يوم الجمعة مع الجماعة، ويمتد وقت الغسل حتى النداء.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم} متفق عليه. المراد بالمحتلم: البالغ.
وعن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من توضأ يوم الجمعة، فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل} رواه أبو داود والترمذي.
وعن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم{ من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام واستمع، كان ذلك له كفارة لما بين الجمعتين وزيادة ثلاثة أيام} رواه الحاكم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل} متفق عليه.
3»»> النظافة العامة بحلق الشعر وقص الأظافر والسواك، والتطيب ولبس أحسن الثياب.
عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما إستطاع من طهر، ويدّهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين إثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى} رواه البخاري.
4»»> التبكير الى الصلاة، ساعيا إليها بالسكينة والوقار، والتواضع والخشوع، ناويا إجابة أمر الله سبحانه والمسارعة الى مغفرته ورضوانه، وليغتنم ثواب الصف الأول، ولا يكونن مع دينه أقل همة من أصحاب الدنيا إذ يبكرون الى أسواقهم.
قال تعالى:{ يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} الجمعة 9.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يحضرون الذكر}. متفق عليه.
5»»> الدخول إلى المسجد مراعيا آدابه، مجتنبا تخطي رقاب الناس، أو المرور بين أيديهم، إلا أن يرى فرجة فيأوي إليها، ويجلس حيث ينتهي الصف، ولا يفرق بين إثنين ليجلس بينهما، ويتقرب إلى الخطيب ما أمكنه ليستمع إليه.
عن عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو يخطب يوم الجمعة إذا رأى رجلا يتخطى رقاب الناس حتى قدم فجلس، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال له:{ ما منعك أن تصلي معنا؟} قال: أولم ترني؟ قال: {رأيتك آنيت وآذيت}. رواه أبو داود والنسائي.
6»»> الاستماع والإنصات للخطبة، والانتباه واليقظة لما فيها من العلم والحكمة، وتفريغ القلب من الشواغل لما يرد من الموعظة والذكرى، والعزم على العمل بما سمع من أحكام الدين الحنيف. ولا يتكلم حتى مع من يريد أن ينبهه الى وجوب الإنصات وإنما يشير له ليكف عن كلامه، ولا يجيب مسلما، ولا يشمّت عاطسا..
قال تعالى:{ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)} الجمعة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ من قال لصاحبه والإمام يخطب أنصت فقد لغا، ومن لغا لا جمعة له} رواه الترمذي والنسائي.
7»»> تجنب العبث باليدين أو بالسجاد أو بالسبحة أثناء الخطبة فهو من اللغو، وتجنب التغافل عن الخطبة والانشغال بغيرها أو النوم خلالها فإنه يذهب ثوابها.
8»»> يكره الاحتباء أثناء الخطبة لأنه يجلب النوم ويفوت استماع الخطبة ومدعاة لانتقاض الوضوء.
عن معاذ لن أنس الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحبوة يوم الجمعة والإمام يخطب. رواه أبو داود والترمذي.
9»»> صلاة أربع ركعات قبل الصلاة وأربع ركعات بعدها.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إذا صلى أحدكم الجمعة، فليصلّ بعدها أربعا} رواه مسلم.
10»»> الإكثار يوم الجمعة من الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أوس بن أوس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي} رواه أبو داود.
11»»> حضور مجالس العلم في الغداة أو بعد العصر، ويجمع بحضوره مجلس العلم بكرة بين خيرين، وفضيلتين هما التبكير والتفقه في الدين، قال أنس رضي الله عنه: في تفسير قوله تعالى:{ فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}، إما إنه ليس بطلب دنيا، لكن عيادة مريض، وشهود جنازة، وتعلم علم، وزيارة أخ في الله.
12»»> الإكثار من قراءة القرآن وخصوصا سورة الكهف، وقد تقدم فضيلة قراءتها يوم الجمعة.
13»»> الإكثار من ذكر الله تعالى، وعموم العبادات الأخرى كالصلوات والصدقات والدعوة الى الله، وجعل يوم الجمعة عملا يدخره في رصيده لحساب يوم الحساب.
قال تعالى:{ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} الجمعة.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إن لربكم في أيا دهرت نفحات، ألا فتعرضوا لها} رواه الحكيم والطبراني.
14»»> ترقب الساعة المباركة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها لا ترد فيها دعوة، وذلك بالإنشغال يوم الجمعة بأصناف القربات، والتزود من التقوى والنوافل والأذكار والدعوات.. قال بعض العلماء: هذه الساعة مبهمة مثل ليلة القدر، في ساعات يوم الجمعة، تتوفر الدواعي لمراقبتها.
عن عمرو بن عوف المزني رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ إن في الجمعة ساعة لا يسأل اله العبد فيها شيئا إلا أتاه الله إياه}. قالوا: يا رسول الله أي ساعة هي؟ قال:{ هي حيت تقام الصلاة الى الانصراف منها} رواه الترمذي وابن ماجه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال:{ فيها ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها} متفق عليه.
15»»> يكره السفر يوم الجمعة إن استطاع تأجيله إلا لمضطر، حتى تقضي صلاة الجمعة.
عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ من سافر يوم الجمعة دعا عليه ملكاه} رواه الدارقطني.
16»»> يكره إفراض يوم الجمعة بصوم الفضل.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:{ لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده} متفق عليه.
منقول
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال